الجمعة، 27 سبتمبر 2013

حديث أتته أبدال الشام وعصائب العراق

حديث "فيُبعث إليهم جيش من الشام، فيُخسف بهم بالبيداء، فإذا رأى الناس ذلك أتته أبدال الشام وعصائب العراق" . 

لا بد قبل الكلام عن هذا الحديث من تقديم روايات حديث آخر لعله كان أصلَ هذا الحديث، وهو قوله صلى الله عليه وسلم "يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يُخسف بأولهم وآخرهم". 

وهذا رُوي من رواية عائشة وحفصة وصفية وأم سلمة: 
ـ فأما حديث عائشة فرواه البخاري وابن حبان من طريقين عن إسماعيل بن زكريا عن محمد بن سوقة عن نافع بن جبير بن مطعم أنه قال: حدثتني عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يُخسف بأولهم وآخرهم". قالت: قلت: يا رسول الله كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومَن ليس منهم. قال: "يُخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم". 

ورواه مسلم عن ابن أبي شيبة عن يونس بن محمد عن القاسم بن الفضل الحداني عن محمد بن زياد عن عبد الله بن الزبير عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن ناسا من أمتي يؤمون بالبيت برجل من قريش قد لجأ بالبيت، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم. فقلنا: يا رسول الله إن الطريق قد يجمع الناس!. قال: نعم، فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل، يهلكون مهلكا واحدا ويصدرون مصادر شتى، يبعثهم الله على نياتهم. ورواه الفاكهي في أخبار مكة من طريق زياد بن عرفجة عن عبد الله بن الزبير به نحوه. 

ـ وأما حديث حفصة فرواه مسلم والحميدي وابن ماجه والفاكهي في أخبار مكة والنسائي وأبو يعلى من طريق ابن عيينة عن أمية بن صفوان عن جده عبد الله بن صفوان عن حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه. 
والظاهر أن في هذه الرواية خطأ في تسمية الصحابية، وأن صواب الرواية هنا هو أنها عن عبد الله بن صفوان عن أم سلمة، والظاهر أن أم المؤمنين في الرواية التالية هي أم سلمة كذلك، وذلك لما سيأتي في حديث أم سلمة. 
ورواه مسلم من طريق زيد بن أبي أنيسة عن عبد الملك العامري عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن صفوان عن أم المؤمنين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: سيعوذ بهذا البيت يعني الكعبة قوم ليست لهم منعة ولا عدد ولا عدة، يُبعث إليهم جيش، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم. 
قال يوسف بن ماهك: وأهل الشام يومئذ يسيرون إلى مكة، فقال عبد الله بن صفوان: أما والله ما هو بهذا الجيش. 

ورواه النسائي في الصغرى والكبرى من طريق عبد السلام بن حرب عن يزيد الدالاني عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن أخيه عن ابن أبي ربيعة عن حفصة بنت عمر رضي الله عنهما به نحوه. 

ـ وأما حديث صفية فرواه ابن أبي شيبة وإسحاق وابن حنبل والترمذي والفاكهي في أخبار مكة وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني وأبو يعلى من طريق سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن سوار أبي إدريس المرهبي وهو صدوق عن مسلم بن صفوان عن صفية بنت حيي أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينتهي الناس عن غزو هذا البيت حتى يغزو جيش, حتى إذا كانوا بالبيداء، أو ببيداء من الأرض, خـُسف بأولهم وآخرهم ولم ينج أوسطهم. قلت: فإن كان فيهم مَن يكره؟!. قال: يبعثهم الله على ما في أنفسهم. 

ـ وأما حديث أم سلمة فرواه مسلم وعلي بن الجعد وابن أبي شيبة وابن حنبل والفاكهي في أخبار مكة من طريق عبد العزيز بن رفيع عن عبيد الله بن القبطية أنه قال: دخل الحارث بن أبي ربيعة وعبد الله بن صفوان وأنا معهما على أم سلمة أم المؤمنين فسألاها عن الجيش الذي يُخسف به، وكان ذلك في أيام ابن الزبير، فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعوذ عائذ بالبيت، فيُبعث إليه بعث، فإذا كانوا ببيداء من الأرض خُسف بهم. فقلت: يا رسول الله فكيف بمن كان كارها؟!. قال: يُخسف به معهم، ولكنه يُبعث يوم القيامة على نيته. وقال أبو جعفر: هي بيداء المدينة. 
ورواه ابن حنبل والفاكهي في أخبار مكة وأبو يعلى من طرق عن أبي يونس حاتم بن أبي صغيرة القشيري عن المهاجر بن القبطية [وهو عبيد الله] عن أم سلمة به نحوه. ورواه الطيالسي عن عمران بن داور القطان عن أبي يونس القشيري عن عبيد الله بن القبطية عن أم سلمة به نحوه. 

ـ فهذا هو الثابت من الحديث. 

ـ ثم وصل الحديث إلى بعض الرواة الضعفاء الذين يأخذون أصل الرواية فيزيدون فيها إما تعمدا وإما توهما، فظهرت هذه الروايات: 
روى ابن حنبل وإسحاق وأبو داود عن أربعة عن هشام الدستوائي عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن صاحب له عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من المدينة هارب إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة، فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام، فيُبعث إليهم جيش من الشام، فيُخسف بهم بالبيداء، فإذا رأى الناس ذلك أتته أبدال الشام وعصائب العراق، فيبايعونه، ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب، فيبعث إليه المكي بعثا، فيظهرون عليهم، وذلك بعْث كلب، والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب، فيقسم المالَ ويعمل في الناس بسنة نبيهم ويلقي الإسلامُ بجرانه إلى الأرض". 
[هشام الدستوائي ثقة. قتادة ثقة يدلس ولم يصرح هنا بالسماع. أبو الخليل صالح بن أبي مريم ثقة، وشيخه في الرواية هنا رجل مبهم]. فالسند ضعيف. 

ورواه أبو يعلى عن أبي هشام الرفاعي محمد بن يزيد بن محمد ابن رفاعة عن وهب بن جرير عن هشام الدستوائي به نحوه، سوى أنه جاء عنده في هذا الإسناد [وربما قال صالح: "عن مجاهد"]!، هكذا على الشك، ورواه ابن حبان عن أبي يعلى به، وجاء عنده في هذا الإسناد "عن صالح عن مجاهد"!!، فصار الشك بعد ذلك جزما!!. وهذا من الأوهام. 
[أبو هشام الرفاعي ضعيف يسرق الحديث]، وهذا يعني أن تسمية المبهم هنا بمجاهد لا يصح، وأن الصواب في طريق هشام الدستوائي عن قتادة هو بإبهام صاحب صالح أبي الخليل. 

ورواه الطبراني في الكبير عن حفص بن عمر بن الصباح الرقي عن عبيد الله بن عمرو الرقي عن معمر عن قتادة عن مجاهد عن أم سلمة مرفوعا به نحوه!. ورواه في الأوسط عن أحمد بن إسحاق الخشاب عن عبد الله بن جعفر بن غيلان الرقي عن عبيد الله بن عمرو به!. [حفص بن عمر بن الصباح الرقي قال فيه أبو أحمد الحاكم: حدَّث بغير حديث لم يُتابع عليه. وذكره ابن حبان في الثقات وقال: ربما أخطأ. أحمد بن إسحاق الخشاب بيض له الذهبي في تاريخ الإسلام]. وهذا يعني أن تسمية المبهم هنا بمجاهد لا يصح. 

ورواه ابن أبي شيبة وأبو داود والطبراني في الكبير والأوسط والحاكم وابن شبة في تاريخ المدينة من ثلاثة طرق عن أبي العوام عمران القطان عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن أم سلمة مرفوعا به نحوه. وحيث إن عمران القطان صدوق فيه لين فهذا يعني أن تسمية المبهم بعبد الله بن الحارث لا يصح، وأن الصواب هو ما في طريق هشام الدستوائي عن قتادة، وهو بإبهام صاحب صالح أبي الخليل. 

ورواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مرفوعا مرسلا. 
وهذا الطريق يؤكد ترجيحَ الطريق الذي فيه الراوي المبهم وإعلالَ الطرق التي جاء فيها التصريح بتسميته، لأنه لا يبعُد أن يكون الحديث عند قتادة عن صالح أبي الخليل عن راو مبهم عن أم سلمة فيرويَه مرة مسندا ومرة مرسلا، لكنْ يبعُد كلَّ البعد أن يكون الحديث عنده عن صالح عن عبد الله بن الحارث أو مجاهد عن أم سلمة مسندا من طريق الثقات فيرويَه مرة مسندا ومرة بالإرسال، لأن هذا نوع من العبث. 

وخلاصة الأمر أن الطريق السالم من الخطأ في طرق هذا الحديث هو الذي جاء فيه "عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن صاحب له عن أم سلمة"، وفيه راو مبهم، فهذا إسناد ضعيف. 
وكتبه صلاح الدين الإدلبي، والحمد لله رب العالمين.