الاثنين، 12 فبراير 2018

الألباني وحوار حول عمله في دراساته الحديثية

بسم الله الرحمن الرحيم


* ـ كتب أحد الإخوة مقالا عن الشيخ الألباني رحمه الله وقال فيه:
"الألباني لم يكن مُحدِّثًا بل ولم يكن يحفظ روايةً واحدةً بإسنادها إلى رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام".
أقول:
المحدث هو الذي تلقى الأحاديث النبوية بطريق صحيحة من طرق التلقي مع الضبط إما ضبط صدر أو ضبط سطر، ولا يُشترط في المحدث أن يحفظ متن الحديث ولا إسناده عن ظهر قلب، ويكفي أن يكون قريبا من الروايات الحديثية يصل إليها عندما يريد.
* ـ قال الكاتب:
"حتّى لو كان محدِّثًا فليس له أن يصحِّح وأن يضعِّف لأنَّ التَّصحيح والتَّضعيف ليس للمحدث وإنَّما للحافظ، والحافظ أعلى من المحدِّث في الرُّتبة العلمية، المحدث يحفظ الرِّوايات بأسانيدها والحافظ يزيد عليه بمعرفة أحوال الرِّجال في كلِّ طبقات الرواية".
أقول:
الذي له الحق في التصحيح والتضعيف هو الذي له دراية واسعة بأحوال رجال الأسانيد وبعلوم الحديث وما يتعلق بذلك من معرفة الإعلال والشذوذ.
إذا لم يكن الألباني عنده أهلية عالية في ذلك فالظاهر أن الكاتب بعيد جدا عن هذا العلم وتلك الأهلية، والبعيد عن هذا العلم ليس من حقه أن يتكلم فيما لا علم له به، ولا فيمن هو أهل لتلك الرتبة أو لا.
كبار المحدثين الحفاظ ـ في السابق ـ تميزوا عن غيرهم بكثرة محفوظهم للروايات الحديثية وطرق أسانيدها مع المعرفة برواتها وأحوالهم جرحا وتعديلا وما إلى ذلك مما يتعلق بالدراية الحديثية، أما اليوم فلم تعد الدراية الحديثية مرتبطة ذلك الارتباط الوثيق بالحفظ.
* ـ قال الكاتب:
"الألبانيُّ قام بالتَّصحيح والتَّضعيف ولأنَّه لم يكن أهلاً لذلك فقد صحَّح الضَّعيف مرَّات وضعَّف الصَّحيح مرَّات ومرات، بالنسبة لي؛ كلَّما قرأت (صحَّحه الألبانيّ) أتوقف وأقول كيف يصحح حديثا" على حافظ من الحفاظ الكبار كالحافظ الإمام الترمذي وغيره ؟؟!!!، وسأضرب مثالا" لتقريب الفكرة من واقعنا المعاصر : لو قام أحد البروفسورات في الطب بفحص مريض ووجد ان فيه مرضا" خطيرا" ويجب المسارعة باجراء عملية له ... فرد عليه طالب يدرس الطب ونقد كلام البروفسور وقال كلامه غير صحيح فهل من الممكن ان نجعل كلام الطالب أعلى وأكثر ثقة من كلام البروفسور ؟؟!!!! طبعا" لا وهذا ما يحصل الآن بالنسبة لعلم الحديث الشريف!!!".
* ـ أقول:
الألباني له اشتغال بعلم الحديث، وله جهد كبير في التخريج ودراسة الأسانيد، والذي يملك الحق في أن يقول له أنت مؤهل أو غير مؤهل يجب أن يكون له اشتغال ودراية في هذا العلم، أما إذا لم يكن عنده ذلك ويرى أنه من المقلدين في هذا العلم فليقلدْ من يغلب على ظنه أنه الأعلم والأبعد عن الهوى، ويمكنه أن ينقل كلام أهل العلم ناقلا عنهم فقط، وحسْبُ المقلد أن يسكت ويُسكت عنه.
إذا كان الألباني لم يصل لدرجة الطبيب الماهر فلنقل ربما، وإذا كان الطالب في كلية الطب ليس من حقه أن يقول للطبيب الماهر "لا" فهذا صحيح، ومثله الطبيب الممارس لمهنة الطب وليس بماهر فيها، لكن هل من حق الذي لم يدخل كلية الطب أصلا أن يتكلم فيما يخوض فيه المشتغلون بالطب والماهرون وغير الماهرين فيه؟!!.
* ـ قال الكاتب:
"لو سأل أحدهم ما تقول في مسألة ( صححه الألباني ) ؟ لكان الجواب : لا يجوز ان نقول هذه العبارة إلا في حالة واحدة وهي : ان يؤلف الألباني كتابا جامعا لللأحاديث ويسند أحاديثه بأسانيده المتصلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير الأسانيد التي رواها أصحاب الصحاح والسنن ثم يصحح ويضعف ما بكتابه، أما أن يأتي إلى كتب أئمة التصحيح والتضعيف ويشاغب على أحكام أصحابها ، فهذا باب من العبث في تعاطي علم الرواية والاسانيد".
أقول:
كان العلماء السابقون مَن آنس في نفسه القدرة على إصدار حكم بصحة رواية حديثية أو تضعيفها يقول رأيه ويذكر ما استند إليه من قواعد هذا العلم الشريف.
فمن اشترط على من يخوض في علم التصحيح والتضعيف أن يؤلف كتابا جامعا لللأحاديث بأسانيده المتصلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير الأسانيد التي رواها أصحاب الصحاح والسنن ثم يصحح ويضعف ما بكتابه فقد أتى بباطل من القول وخالف إجماع الأمة.
ولو كان الكاتب عنده أدنى شيء من الاطلاع على كلام الذهبي وابن حجر والمناوي مثلا لما قال ما قال.
* ـ قال الكاتب:
"ليست الغاية من المنشور الطعن بالالباني ولكن إظهار الحقيقة وما آلت اليه الامور فهذا الأمر دين فانظروا عمن تأخذوا عنهم دينكم".
أقول:
جزى الله الأخ الكاتب خيرا على نيته في أن لا يطعن في الشيخ الذي يرد عليه، وعلى نيته في الرغبة في إظهار الحقيقة، وهذا من أخلاق المؤمنين.
لا داعي لكثرة الكلام والإعادة والتكرار: من كان مجتهدا في هذا العلم أو عنده نوع اجتهاد فيه فليتكلم بمقدار ما عنده من العلم، وليعلم أنه مسؤول يوم القيامة عن كل حرف يخطه فيه.
وغير المجتهِد في هذا العلم يجب عليه أن يقلد من يغلب على ظنه أنه من أهله وأنه ليس من أهل الهوى. وكذلك سائر العلوم الشرعية.
* ـ قال الكاتب:
"من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب".
أقول:
هذا صحيح، وجزى الله كاتبه خيرا، لكن يجب على من ينصح غيره أن يعمل هو أولا بما يقول.
* ـ الشيخ الألباني تتلمذ على كتابات الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله الذي كان قد أحيى الله به هذا العلم في القرن الماضي، والذي كان منهجه في دراسة الحديث يندرج ضمن المنهج التساهلي، فكانت أحكامه الحديثية ـ في كثير من الأحيان ـ غير سديدة.
وليس بمستغرب على من تتلمذ على كتابات ذلك الشيخ ومنهجه التساهلي ـ ولو بذلَ جهدا كبيرا في هذا العلم ـ أن يقع في مثل ما وقع فيه.
أرى أن الشيخ الألباني رحمه الله وقع في كثير من الأخطاء في المنهج العلمي العام وفي منهج الدراية الحديثية، ولكن هذا لا يعني أن نغمطه حقه.
أتمنى أن نعود في منهج البحث الحديثي إلى منهج الأئمة الكبار من نقاد الحديث، كالإمام أحمد ابن حنبل والبخاري ومسلم وأبي حاتم وأبي زرعة الرازيين والترمذي والنسائي والدارقطني وغيرهم.
وأتمنى أن ينشط من آنس في نفسه المعرفة والدراية الحديثية لعمل مراجعة ـ على منهج أولئك الأئمة الأعلام ـ لما قام به العلماء السابقون، بغية تمييز الروايات الثابتة.
مثالان لتوضيح الفرق بين عمل كبار أئمة الحديث وبين من جاؤوا بعدهم:
حديث "من لم يجْمِع الصيام قبل الفجر فلا صيام له" في سنده اختلاف، ورُوي في بعض الطرق مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي أكثر الطرق موقوفا على الصحابي، فهل هذا حديث نبوي؟، وما الذي قاله فيه أئمة المحدثين؟:
الإمام أحمد ابن حنبل لم يثبته، وقال فيه الإمام البخاري: "خطأ، وهو حديث فيه اضطراب، والصحيح عن ابن عمر موقوف". وقال النسائي: "الصواب عندنا موقوف ولم يصحَّ رفعه". وقال الدارقطني: "رفـْعه غير ثابت". وأشار إلى إعلاله أبو حاتم الرازي وأبو داود والترمذي.
نجدُ في مقابل أقوال أولئك الجهابذة أقوالَ من سلكوا المنهج المبتعِد عن علم العلل، فصححه الحاكم وابن حزم، ومال إلى تصحيحه الخطابي والبيهقي وابن الجوزي، وقال الألباني: صحيح!.
ومن العجائب ما وقع من الكلام في الحديث المصرح بجمع التقديم بين الصلاتين في السفر، فقد أعله الإمام أبو حاتم الرازي، وقال فيه أبو داود: هذا حديث منكر. وقال فيه الحاكم: هو شاذ الإسناد والمتن. ثم قال عنه: موضوع. وقال الخطيب البغدادي: هو منكر جدا. ثم يصححه الألباني!.
{ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}.
وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 25/ 5/ 1439، الموافق 11/ 2/ 2018، والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.